ATLAS |
وضع 350 عالم فيزياء من 35 دولة الخطوط النهائية لعمل جهاز أطلقوا عليه اسم "أطلس" لرصد وتحليل البيانات التي سيقدمها المعجل النووي العملاق "هادورن" بالمركز الأوروبي للأبحاث النووية بجنيف CERN، بعد بداية عمله .
Atlas |
ويوصفا المُعجّل "هادورن" والكاشف "أطلس" بأنهما أعقد جهازين علميين توصل إليها الإنسان إلى اليوم، ليقدما ما يقول عنها العلماء "أكبر تجربة في تاريخ العلوم الطبيعية، تهدف إلى معرفة أسرار نشأة الكون وطبيعة المادة".
cern-large-hadron-pop-up-book |
و لذا فتترقّب الأوساط العلمية في أنحاء العالم إجراء أهمّ وأخطر تجاربَ نوويةٍ في التاريخ وهي التجارب المقرَّر إجراؤها في المعجِّل النووي العملاق "هادورن" الذي استغرق بناؤه 14 عاماً تقريباً، والموجود في قرية فرنسية صغيرة اسمهاCESSY تقع قرب الحدود السويسرية، وقد قام المركز الأوروبي للأبحاث النووية CERN في جنيف ببنائه و ذلك بمساهمة العديد من الدول الأوروبية.
CERN UNDER GROUND |
CERN GLOBE |
hidden blackhole |
وهذا المعجِّل النووي العملاق بأجهزته الضخمة موجود في تلك المنطقة على عمق 100 متر من سطح الأرض، وطول النفق الذي ستجرى فيه عمليات تصادم الأجزاء الذرّية يبلغ 27 كم، وهو أطول بكثير من نفق المعجِّل النووي الأمريكي، وأكثر كفاءة منه بكثير.
أهم تجربة سيجريها العلماء هي التجربة التي يتم فيها تقليد "الانفجار الكبير" Big Bang الذي حدث وكان سبباً في ولادة الكون وخلقه، ولكن على مقياس صغير طبعاً، لذا يقول بعض العلماء إن هذه التجربة تحمل خطورة كبيرة قد لا يستطيع العلماء السيطرة عليها لأن من الممكن ولادة "ثقب أسود" Black Hole صغير جداً قد يلتهم الدنيا
مِنْ هؤلاء العلماء "البروفيسور د.روسلر" Prof. Dr. Rossler الذي يقول "إن الإنسانية تواجه اليوم خطراً مميتاً، لأنه إن لم تتم المحافظة على توازن الثقب الأسود في نتيجة هذه التجربة، فسيقوم بالتهام الدنيا في ظرف خمسين شهراً، وعند ذلك سيتركز وزن الدنيا جمعاء في نقطة صغيرة جداً"
ويشترك علماء آخرون في هذا القلق بل الرعب، ومنهم "والتر واجنر" Walter Wagner ، و"لويس سانشو" Luis Sancho اللذان يقولان "إن هذا الثقب الأسود لن يبتلع الدنيا فحسب، بل سيشكِّل كارثة كبرى لمجموعتنا الشمسية وللكون كله"، لذا تم رفع دعوى قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية تطالب بمنع هذه التجارب.
أما العلماء والمهندسون العاملون في هذا المركز (6500 عالم ومهندس) فيصفون هذا الخوف بأنه "هراء وسخافة"، وينفون وجود أي خطر من تجاربهم.
ألغاز كونية
ولكن ماذا يأمل العلماء من هذه التجارب؟ و ما هي غايتهم؟ وأي الألغاز الفيزيائية والكونية سيتم الكشف عنها؟
هناك أمور عديدة غامضة في الفيزياء الحديثة لم تستطع لا النظرية النسبية العامة والخاصة، ولا النظرية الكمية حلها، والعلماء يتلهفون للكشف عن هذه الألغاز ومعرفة حقيقتها.. وندرج هنا أهمها، دون الدخول في تفاصيل علمية عويصة
1- معرفة ماهية المادة
فعلى الرغم من كل التقدم العلمي الذي وصلنا إليه، إلا أن ماهية المادة مازالت غامضة، وهناك أسرار عديدة تستر حقيقتها، فالذرّة كثيراً ما تظهر وكأنها مادة لها كتلة معينة، وتظهر أحياناً أخرى وكأنها موجة وطاقة، والخواص التي تُظهِرها المادة جعلت العلماء يضعون نظريات عديدة حول الذرّة.
فمن المعلوم أن الذرة تتكَّون من أجزاء صغيرة هي الإلكترونات تدور في مستويات طاقة ، والبروتونات والنيوترونات التي توجد داخل نواة الذرة ، ثم اتّضح أن هذه الأجزاء التي داخل النواة تتألَّف من أجزاء أصغر منها أطلقوا عليها اسم "الكواركات"، وقد اكتشفوا حتى الآن ستة أنواع مختلفة منها.. ولكن هذه الاكتشافات لم تحلّ العديد من الألغاز، لذا اضطر عدد من العلماء إلى التخلي عن فكرة أن الذرّة وأجزاءها كروية الشكل، لذا تم وضع نظرية "الأوتار الفائقة" التي تقول بأن أشكال أجزاء الذرّة هي بشكل أوتار دقيقة ومرنة جداً.
والغريب أن المعادلات التي وُضِعت في هذا الصدد كانت تشير إلى أن أبعاد هذه الأجزاء الصغيرة جداً ليست أربعة أبعاد فقط "الطول والعرض والعمق والزمن"، كما ذكرت النظرية النسبية، بل أحدَ عشرَ بعداً.. وبينما كنا نجد صعوبة في تخيُّل الزمن كبعد رابع، إذا بنا الآن أمام أحد عشر بعداً فتأمَّلْ والعلماء أنفسهم لا يستطيعون تخيُّل هذه الأبعاد، ولكن المعادلات هي التي تذكر هذا.
كيف سيكشف العلماء طبيعة المادة؟
سيقومون بإرسال-اي تصادم - أجزاء دون ذرية (مثل النيوترونات) إلى نواة ذرّة بسرعة تَقْرُب من سرعة الضوء بهدف تحطيمها، أو يقومون بعملية تصادم بين البروتونات، وتصوير ما ينتج عن هذا التصادم من أجزاء دون ذرّية ، لدراسة طبيعتها وأنواعها، وذلك بأقوى ميكروسكوب للحصول على معادلة واحدة تشرح وتفسر جميع القوى في الذرّة.
ومن المعلوم أن هناك أربع قوى في الذرّة
1 - قوة الجاذبية
وهي قوة "غامضة" لا يعرف أحد على وجه التحديد مصدرها، ووُضِعت النظريات المختلفة لتفسيرها، ومن المؤمّل أن تُلقي هذه التجارب الضوء على طبيعتها، وكيف تنشأ.
2 - القوة الكهرومغناطيسية
وهي قوة التجاذب بين "الإلكترونات" ذات الشحنة السالبة، و"البروتونات" ذات الشحنة الموجبة في نواة الذرّة، وقوة التنافر بين الأجزاء المتشابهة من ناحية الشحنة.
3 - القوة النووية القوية
وهي القوة التي تربط أجزاء نواة الذرّة، ولولا هذه القوة لتفتتت النواة وتبعثرت جرّاء قوة التنافر الموجودة بين "البروتونات" ذات الشحنة الموجبة
4 - القوة الضعيفة
وتنشأ نتيجة لظاهرة تُدعَى "انحلال بيتا"، وهي عملية تحول "النيوترون" إلى "بروتون و إلكترون و نيوترينو"، وتظهر أيضاً في بعض الفعاليات الإشعاعية.
وشدة هذه القوى الأربع مختلفة، فأقلها شدة هي قوة الجاذبية، تليها القوة الضعيفة، ثم القوة الكهرومغناطيسية، وأكثرها شدة هي القوة النووية..
ومع أن قوة الجاذبية أقلها شدة، إلا أنها القوة الوحيدة التي لا تنحصر داخل الذرّة؛ بل تمتد إلى أعماق الكون، وبتراكم الذرّات تصبح هذه القوة هائلة، بحيث تستطيع تثبيت القمر حول الأرض، والأرض والكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية حول الشمس.
ومع أن قوة الجاذبية أقلها شدة، إلا أنها القوة الوحيدة التي لا تنحصر داخل الذرّة؛ بل تمتد إلى أعماق الكون، وبتراكم الذرّات تصبح هذه القوة هائلة، بحيث تستطيع تثبيت القمر حول الأرض، والأرض والكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية حول الشمس.
ولكن العلماء يقولون إن هذه القوى الأربع هي في الحقيقة مظاهر مختلفة لقوة واحدة أساسية، مثلما أن البخار، والثلج، والماء، مظاهر مختلفة للماء.. وقد سعى "ألبرت أينشتاين" عشرات السنوات للوصول إلى معادلة واحدة تُرجِع هذه القوى إلى قوة واحدة ولكنه لم يفلح، والعلماء يأملون من هذه التجارب الوصول إلى هذه المعادلة.
2- معرفة كيفية حدوث الانفجار الكبير
يقول المهندس التركي "عثمان زوربا" العامل في هذا المركز "سنقوم بواسطة المعجِّل النووي العملاق بتحقيق 800 مليون تصادم بين البروتونات، وهكذا سنقلد ما حدث في الانفجار الكبير، ونأمل الحصول على ذرّاتHiggs Boson بعد هذه الصدامات".
وهي ذرّات غير مكتشَفة حتى اليوم، ولكن العلماء يفترضون وجودها من الناحية النظرية، فحساباتهم تشير إليها، وهم يفترضون أن هذه الذرّات أو أجزاءها هي مصدر قوة الجاذبية.
ثم يضيف "زوربا" "نحن الآن على وشك الدخول إلى مرحلة مدهشة مملوءة بالإثارة، ولعل هذه الذرّات تكشف سر الأثير أيضاً".
3- حل لغز "المادة المظلمة"
حيث من المنتظَر عند اكتشاف ذرّات Higgs Boson حل لغزَيْ الجاذبية والأثير، وفهم سر "المادة المظلمة" Dark Material الذي يحيّر العلماء.
وما المادة المظلمة؟ يقول العلماء إن هذه المادة تشكل 90% من الكون، ولكننا مع هذا لا نستطيع رؤيتها والسبب الذي قاد العلماء إلى الاعتقاد بوجودها هو أن المجرّات، وفق حسابهم، لكي تبقى متوازنة دون أن تتشتت وتتبعثر نجومها، في حاجة إلى قوة جاذبية أكبر من قوة جاذبية كتلتها التي نراها ونحسب مقدارها، إذاً فهناك كمية كبيرة من المادة موجودة ونحن لا نراها، وهي التي يُطْلق عليها العلماء اسم "المادة المظلمة".
وستجرى هذه التجارب بالاستعانة بمعجّل نووي عملاق، وبميكروسكوب قوي وضخم، وبمغناطيسات قوية، وفي درجة 271 تحت الصفر، وهي درجة قريبة من درجة الصفر المطلق (- 273).. ودخول هذا الميكروسكوب العملاق المحمَّل بتريليون إلكترون فولت إلى عالم التجارب النووية سيفتح الأبواب أمام العديد من الاكتشافات، لأن أقوى ميكروسكوب حتى الآن كان محمَّلاً بمليون إلكترون فولت فقط، أي أن الإمكانيات المتاحة حالياً لعلماء هذا المركز لم تُتَحْ لأحد من قبل، وهذا ما قد يفتح الأمل أمام العلماء للوصول إلى حل ألغاز لم يكن حلها ممكناً في السابق.
إذاً فالبشرية، ولاسيما الأوساط العلمية، تحبس أنفاسها في انتظار هذه التجارب التي ستفتح آفاقاً علمية كبرى قد تغير نظرتنا إلى الكون وإلى المادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق